الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إعراب القرآن **
فمن ذلك قوله تعالى: " قال قوم: إنما انجر غير لأنه بدل من الذين وهو معرفة ولا كلام في هذا. وقال قوم: بل هو صفة ل الذين. فقيل لهم: إن غيراً أبداً نكرة فكيف تجري وصفاً على المعرفة. وقال أبو إسحاق في ذلك: إن غيرا جرى وصفا ل الذين هنا لأن معنى: الذين أنعمت عليهم: كل من أنعم الله عليه منذ زمن آدم إلى قيام الساعة. وليسوا مقصوداً قصدهم. وقال أبو بكر بن دريد: غير إذا أضيف إلى اسم يضاد الموصوف وليس له. ضد سواه يتعرف غير بالإضافة كقولك: مررت بالمسلك غير الكافر وعليك بالحركة غير السكون لا يضاد المنعم عليهم إلا المغضوب عليهم فتعرف غير. وقال أبو علي: يشكل هذا بقوله: " ومثل غير المغضوب قول تعالى: " فمن رفع غيرا جعله تابعاً ل القاعدين على الوجهين. وكذا قوله: "
ولا موضع لها من الإعراب فمن ذلك الكاف المتصلة بقوله تعالى: " ومن ادعى فيه أنه جر بالإضافة فقد أحال لأن إيا اسم مضمر والمضمر أعرف المعارف فلا يجوز إضافته بتة. فإن قال: إن إيا اسم ظاهر. قلنا: لم نر اسماً ظاهراً ألزم إعراباً واحداً إلا في الظروف نحو: الآن وإذ في أغلب الأحوال وأين وإيا ليس بظرف. فإن قال: فقد قالت العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه والشواب فهذا نادر لا اعتبار به ولا يجوز بناء القواعد عليه. وإذا كان كذلك كان إياكما وإياكم وإياك وإياى من قوله: " ومن ذلك الكاف في ذلك من قوله: " الكاف للخطاب لثبات النون في ذانك. ولو كان جراً بالإضافة حذفت النون كما تحذف من قولهم: هذان غلاماك لأن ذا اسم مبهم وهو أعرف من المضاف فلا يجوز إضافة بتة. ولأنك تقول: عندي ذلك الرجل نفسه. ولا يجوز أن تقول: ذاك نفسك بالجر ولو كان الكاف ومن ذلك الكاف في قوله تعالى: " وقوله تعالى: " فالكاف والميم ثبوتهما لا يزيد معنى يختل بسقوطهما فعلى هذا فقس جميع الكاف المتصل ب إياك وذلك وذاك وذانك وأرأيتك وأرأيتكم. وهذا قوله: " وقوله: " وقوله: " الكاف في هذه المواضع للخطاب ولا محل لها من الإعراب. وهكذا الكاف في: أولئك وأولئكم في جميع التنزيل للخطاب وليس لها محل من الإعراب لاستحالة معنى الإضافة فيه. ما جاء في التنزيل من المبتدأ ويكون الاسم على إضمار المبتدأ وقد أخبر عنه بخبرين وقد ذكر سيبويه ذلك في الكتاب حيث يقول في باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة: وذلك قولك: هذا عبد الله منطلق. حدثنا بذلك يونس وأبو الخطاب عمن يوثق به من العرب. وزعم الخليل أن رفعه يكون على وجهين: فوجه أنك حيث قلت: هذا عبد الله منطلق أضمرت هذا أو هو فكأنك قلت: هذا عبد الله هو منطلق. والوجه الآخر: أن تجعلهما جميعاً خبراً ل هذا كقولك: هذا حلو حامض. لا تريد أن تنقص الحلاوة ولكن تزعم أنه قد جمع الطعمين. قال الله تعالى: " وقال الشاعر: من يك ذا بت فهذا بتى ** مقيظ مصيف مشتى انتهت الحكاية عن سيبويه. فمن ذلك قوله تعالى: " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين وكان أبو علي يقول: إنك إذا قلت: هذا حلو حامض فالعائد إلى المبتدأ ضمير من مجموعهما. ألا ترى أنهم فسروه بقوهم: هذا مز. وكان عثمان يقول: قد قال هذا. وعندي أن الضمير يعود إليه من كل واحد منهما. وبينهما كلام طويل ذكرته في الاختلاف. ومن ذلك قوله تعالى: " " وقوله " والتقدير: سواء عليهم الإنذار وترك الإنذار. والجملة خبر الذين. وقوله " لاَ يُؤْمِنُونَ " جملة أخرى خبر بعد خبر أي: إن الذين كفروا فيما مضى يستوي عليهم الإنذار وترك الإنذار لا يؤمنون في المستقبل. وهذا يراد به قوم خاص كأبي جهل وأصحابه ممن لم ينفعهم الإيمان وليس على العموم. فإن قلت: فإن قوله: " ولو صرح بهذا لم يكن ليحتاج فيه إلى الضمير فكذا إذا وقع موقعه جملة. وقد قوم أن الإنذار مبتدأ وترك الإنذار عطف عليه وسواء خبر. والأولى أوجه ولكنه على هذا المخبر عنه مقدر وليس في اللفظ. وعلى الأول المخبر عنه في اللفظ. ومثله: " والتقدير: سواء عليكم الدعاء والصموت. ويجوز أن يكون هدى خبر مبتدأ مضمر أي: هو هدى. لأن سيبويه جوز في المسألة المتقدمة هذا. ومن إضمار المبتدأ قوله: " وأما قوله تعالى: " وحمله مرة أخرى على أن فارض صفة لبقرة كما حكاه سيبويه: مررت برجل لا فارس ولا شجاع. وفي التنزيل: " ومن هذا الباب قوله تعالى: " والمخصوص بالمدح والذم في باب بئس ونعم فيه قولان: أحدهما: أنه مبتدأ وبئس خبر على تقدير: بئس كفرهم بئسما اشتروا به أنفسهم. والقول الثاني: أنه خبر مبتدأ مضمر لأنه كأنه لما قيل: بئسما اشتروا به أنفسهم قيل: ما ذلك قيل: أن يكفروا. والقول الثاني: أي: هو أن يكفروا أي: هو كفرهم. وعلى هذا فقس جميع ما جاء من هذا الباب من قوله تعالى: " وقوله: " ومن ذلك قوله تعالى في قراءة أبي حاتم " ألا ترى أنه يقف على ذلول ثم يبتدئ فيقرأ تثير الأرض على: فهي تثير الأرض. وقال قوم: هذا غلط لأنه لو قال وتسقى الحرث لجاز ولكنه قال: " وقد ذكرنا في غير موضع من كتبنا: أن الواو واو الحال أي: تثير الأرض غير ساقية. والحسن أن يكون تثير داخلاً في النفي. وإن شئت كان قوله: لا ذلول أي: لا هي ذلول مسلمة خبر بعد خبر. ومن حذف المبتدأ قوله تعالى: " وكذلك: فما استيسر من الهدى " أي: فالواجب ما استيسر من الهدى. وأما قوله تعالى: " وعلى هذا الخلاف قوله: فلا لغو ولا تأثيم فيها وما فاهوا به أبداً مقيم ومن ذلك قوله تعالى: " ومن ذلك قوله تعالى: " ومنه: " فأما قوله تعالى: " والجملة خبر الذين. والعائد إلى الذين من الجملة المضاف إليه الأزواج. وقد جاء المبتدأ محذوفاً في قوله تعالى: " تقلبهم متاع قليل فحذف المبتدأ. في مواضع. وقال الأخفش: التقدير في الآية: يتربصن بعدهم فحذف بعدهم العائد إلى الذين وإن كان متصلاً بالظرف لأنه قد جاء مثل ذلك كقوله تعالى: " التقدير: وكأن لم يلبثوا قبله. لا بد من إضمار قبله. وسترى ذلك في مواضع إن شاء الله. وقال الكسائي: إن قول يتربصن جرى خبراً عن الاسم الذي تقدم في صلة الموصول لأن الغرض من الكلام: أن يتربصن هن. وأنشد الفراء: لعلى إن مالت بي الريح ميلة على ابن أبي الذبان أن يتندما فأخبر عن ابن أبي الذبان الذي تعلق بقوله: إن مالت بي الريح فقال: أن يتندما. ولا حجة له في البيت لأنه قد عاد من جملة الكلام إلى ياء المتكلم ضمير وهو قوله إن مالت بي الريح فبطل حجته بالبيت. وصح قول أبي الحسن وقول أبي العباس ومن ذلك قوله تعالى: " قال سيبويه: قال الله عز وجل: " ومثله: " قال أبو علي: تقدير قولك: لا تقرب الأسد فيأكلك ها هنا غير سائغ. ألا ترى أن كفر من نهى عن أن يكفر في الآية ليس سبباً لتعلم من يتعلم ما يفرق به بين المرء وزوجه وذلك أن الضمير الذي في قوله فيتعلمون لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون راجعاً إلى الناس من قوله " فإن كان راجعاً إلى الناس فلا تعلق له بقوله فلا تكفر لأمه لا معنى لقوله فيتعلمون إذا كان فعل الغير أن يحمل على لا تكفر لفساده في المعنى. وإن كان راجعاً إلى أحد لم يكن فيتعلمون أيضاً جواباً لقوله فلا تكفر لأن التقدير: لا يكن كفر فتعلم. والمعنى: إن يكن كفر يكن تعلم وهذا غير صحيح ألا ترى أنه يجوز أن يكفر ولا يتعلم فليس الأول سبباً للثاني فإذا لم يجز ذلك لم يخل من أحد أمرين: والفعل الذي قبله لا يخلو من أن يكون كفروا أو يعلمون أو يعلمان أو فعلا مقدراً محذوفاً من اللفظ وهو يأبون. فإن عطفت على كفروا جاز ويكون موضعه رفعاً كموضع كفروا. وإن عطفت على يعلمون الناس فيتعلمون جاز. ويعلمون الناس يجوز أن يكون منصوباً على الحال من الواو في كفروا. ويجوز أن يكون بدلاً عن كفروا لأن تعليم السحر كفر. فأما ما اعترض به أبو إسحاق على المعطوف على يعلمون من أنه خطأ لأن قوله منهما دليل ها هنا على التعلم من الملكين خاصة فهو ساقط غير لازم من جهتين: إحداهما أن التعلم إن كان من الملكين خاصة لا يمنع أن يكون قوله فيتعلمون عطفاً على كفروا وعلى يتعلمون وإن كان متعلقاً ب منهما فكأن الضمير في منهما راجع إلى الملكين. فإن قلت: كيف يجوز هذا وهل يسوغ أن يقدر هذا التقدير ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما. فتضمر الملكين قبل ذكرهما. قيل له: أما المضمر فعلى ما ذكرته صحيح. فأما الإضمار قبل الذكر فساقط هنا ليس يلزم على تقديره في قول سيبويه إضمار قبل الذكر. ألا ترى أن منهما إذا كان ضميراً عائداً إلى الملكين فإن إضمارهما بعد تقدم ذكرهما وذلك شائع. ونظيره قوله: " قيل: له: إن بعد المعطوف عن المعطوف عليه وتراخيه عنه لا يمنع من عطفه عليه وإتباعه إياه. ألا ترى أن الناس " حملوا قوله تعالى: " والجهة الأخرى وهي أن الضمير لهاروت وماروت والتقدير: " ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما ". فلا يعود إلى الملكين إنما يعود إلى هاروت وماروت وجاز يعلمون حملا على المعنى. ويجوز عطف يتعلَّمون على ما يعلمان فيكون التقدير: وما يعلمان من أحد فيتعلمون منهما فيكون الضمير الذي في يتعلمون على هذا التأويل لأحد. إلا أنه جمع لما حمل على المعنى كقوله تعالى: " وارتفاعه لا يمنع عطفك إياه على هذا الفعل الذي ذكرناه لأن هذا الفعل وإن كان منفيا في اللفظ فهو موجب في المعنى. ألا ترى أن معناه: يعلمان كل أحد إذا قالا له: " ويجوز أن يكون معطوفاً على مضمر دل عليه الكلام وهو: يأبون فيتعلمون. إلا أن قوله فلا تكفر نهى عن الكفر فدل فيتعلمون على إبائهم. فأما كونه خبراً للمبتدأ المحذوف فعلى أن تقدره: فهم يتعلمون منهما فهذا ما احتملته هذه الآية. ومن إضمار المبتدأ قوله تعالى: " وكان عباس بن الفضل يقف على صم ثم على بكم ثم على عمى فيصير لكل اسم مبتدأ والأول أوجه. ودل قوله في الأخرى: " والجار في قوله في الظلمات متعلق بمحذوف. والتقدير: صم وبكم ثابتون في الظلمات. ومن هذا الباب قوله تعالى: " إذا وقفت على هو كان الحى خبر مبتدأ مضمر , ولا يجوز أن يكون الحي وصفاً ل هو لأن المضمر لا يوصف. ويجوز أن يكون خبراً لقوله الله. ويجوز أن يرتفع الحى بالابتداء والقيوم خبره. ويجوز أن يكون الحي مبتدأ والقيوم صفة و " ويكون قوله " ومن ذلك قوله تعالى: " هذا خبر مبتدأ مضمر والتقدير فيه: وجوب صدقة البر للفقراء الذين أحصروا ". وقيل اللام بدل من اللام في قوله تعالى: " " وهذا لا يصح لأن الفقراء مصرف الصدقة والمنفقون هم المزكون فإنما لأنفسهم ثواب الصدقة التي أدوها إلى الفقراء. وإن قال: إن المراد بالعموم الخصوص يعني بالأنفس: بعض المزكين الذين لهم أقرباء فقراء فهو وجه ضعيف. ومن ذلك قوله تعالى: " ومنه قوله تعالى: " وقوله بعده: " وكذلك فدية أي: فالواجب دية. فأما قوله تعالى: " ويجوز أن يكون: ذلك خبر مبتدأ مضمر أي: ذلك جزاؤهم ثابتاً بما كفروا. ومثله قراءة ابن مسعود " فأما المخصوص بالذم والمدح فإنه على أحد الوجهين نحو قولهم: نعم الرجل زيد. وقال قوم: زيد خبر مبتدأ مضمر لأنه لما قال: نعم الرجل كأنه قيل: من هو فقيل: زيد أي: هو زيد. فعلى هذا يكون قوله: " ومن قال جنات عدن مبتدأ ويكون قوله " وفي الزمر والمؤمن: " فهذه الأشياء كلها على الوجه الأول حذف الخبر والمبتدأ جميعاً. وعلى القول الثاني حذف فأما قوله تعالى: " فقيل: إن الذين ظلموا خبر مبتدأ مضمر كأنه قال: وأسروا النجوى. قيل: من هم فقال: الذين ظلموا أي: هم الذين ظلموا. وقيل: بل الذين ظلموا مبتدأ. وقوله تعالى: " كقوله: " وقوله تعالى: " وقيل: إن كثيراً منهم مبتدأ وخبره: عموا وصموا أي: كثير منهم عموا وصموا. ومما لا يتجه إلا على إضمار المبتدأ: قوله: " فالجار يتعلق بمحذوف خبر ابتداء مضمر وهو هو أي: هو ثابت في كتاب مبين وإلا بمعنى لكن. ولا يجوز أن يكون إلا في كتاب استثناء متصلاً بقوله " وكذلك في سورة سبأ. فكذلك قوله تعالى: " ومن هذا الباب قوله تعالى: " فمن رفع متاع كان خبر مبتدأ مضمر محذوف أي: ذلك متاع الحياة الدنيا. قال أبو علي في قوله: على أنفسكم يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون متعلقاً بالمصدر لأن فعله يتعدى بهذا الحرف. يدلك على ذلك قوله تعالى: " والمعنى: بغى بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا وليس مما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات. أن يجعل على متعلقاً بمحذوف في موضع الخبر ولا تجعله من صلة المصدر فإذا جعلته كذلك كان خبراً للمصدر. وفيه ذكر يعود إلى المصدر كما أنك إذا قلت: الصلاة في المسجد كان كذلك. المعنى: إنما بغى بعضكم على بعض عائد على أنفسكم. فعلى هذا يتعلق بالمحذوف دون المصدر المبتدأ. وهذا في المعنى كقوله تعالى: " وفي قوله: ثم بغى عليه لينصرنه الله إبانة عن هذا المعنى ألا ترى أن المبغى عليه إذا نصره الله لم ينفذ فيه بغي الباغي عليه ولا كيده فإذا لم ينفذ فيه صار كالعائد على الباغي. فإذا رفعت متاع الحياة الدنيا على هذا التأويل كان خبر مبتدأ محذوف كأنك قلت: ذلك متاع الحياة الدنيا أو هو متاع الحياة الدنيا. ومن نصب متاع الحياة الدنيا احتمل النصب فيه وجهين: أحدهما: أن تجعل على من صلة المصدر فيكون الناصب للمتاع هو المصدر الذي هو البغي ويكون خبر المبتدأ محذوفاً. وحسن حذفه لطول الكلام ولأن بغيكم يدل على تبغون فيحسن الحذف لذلك. وهذا الخبر المقدر لو أظهرته لكان يكون مذموماً أو منهياً عنه. والآخر: أن تجعل على من قوله على أنفسكم خبر المبتدأ. فإذا حملته على هذا احتمل نصب متاع وجهين: أحدهما: تتمتعون متاعاً فيدل انتصاب المصدر عليه. والآخر: أن تضمر تبغون لأن ما يجري مجرى ذكره قد تقدم كأنه لو أظهر لكان: تبغون متاع الحياة الدنيا فيكون مفعولاً به. وأما قوله تعالى: " وقوله " فالمبتدأ مضمر في جميع ذلك والتقدير: ويقولون أمرك طاعة وقل لا تقسموا أمرنا طاعة. وكذلك: طاعة وقول معروف " أي: أمرنا طاعة. فحذف المبتدأ كقوله " وقدره قوم على أن الخبر مضمر أي: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما. وقال أبو إسحاق: بل قوله: " وأما قوله تعالى: " ويجوز أن يكون مبتدأ و وعدها الله خبره. ومن ذلك قوله تعالى: " وقال: " وقال: " وأنكره الزجاج وقال: حذف المبتدأ أحسن. وقال: " وقال " ويجوز أن يكون: هو من الله. وعلى هذا " تنزيل الكتاب ومثله: " ومما جاء وقد حذف منه المبتدأ: قوله تعالى: " ألا ترى أنك لو جعلته صفة لكان أغويناهم الخبر. فإذا جعلته الخبر لم يستقم لأنك لا تفيد به إلا ما استفيد من المبتدأ فصار بمنزلة قولك: الذاهبة جاريته صاحبها ونحو ذلك. فإن قلت: فهلا جعلت أغوينا الخبر وجعلت الذين صفة المبتدأ واستجزت أن يكون الخبر لاتصال كما به وجواز الكاف أن يكون وما اتصل به في موضع الخبر كما يكون في موضع الحال. فإذا كان كذلك صار فيه فائدة لم تكن في قوله أغوينا الذي في الصلة. قيل: لا يستقيم ذلك لأن الجزء الذي هو خبر ينبغي أن يكون مفيداً بنفسه فإذا افتقر إلى اتصال ما هو فضلة به لم يفد إلا كذلك لم يجز. ألا ترى أنك لا تجيز: زيداً ضرب إذا كان الضمير الذي فيه لزيد لأن المفعول الذي هو فضلة يصير محتاجاً إليه وغير مستغنى عنه. فإذا لم يجز ذلك في الفاعل لم يجز في خبر المبتدأ أيضاً لأن خبر المبتدأ كالفاعل عند سيبويه. فقوله أغوينا جملة مستأنفة واستغنت عن حرف العطف لتضمنها الذكر مما تقدم. ولا يجوز على حلو حامض فتجعل الذين أغوينا وأغويناهم كما غوينا خبرين ولم يجز أن تجعله كالمفرد ألا ترى أنك لم تستفد من قولك هذا حلو حامض واحداً من الخبرين. ونظير ما منعنا منه في الخبر منع سيبويه منه في الصفة في قوله: إذا كان يوم ذو كواكب أشهبا قال عثمان: الفضلة قد تصير معتمد الكلام دون الخبر والصلة في نحو: قامت هند في داره. ولولا الفضلة فسد الكلام وكذا: الذي قمت إليه قمت في داره. فينبغي أن يصير " الذين أغوينا وفي التنزيل: " أعنى عليه. لم يجز للجملة أن تجري على إن. ومن حذف المبتدأ قوله تعالى: ذكر رحمة ربك أي: هذا ذكر رحمة ربك فحذف المبتدأ. وقوله تعالى: فالرفع على أن قوله " ذلك عيسى ابن مريم كلام والمبتدأ المضمر ما دل عليه هذا الكلام أي: هذا الكلام قول الحق. ويجوز أن تضمر هو وتجعله كناية عن عيسى فيكون الرافع قول الحق أي: هو قول الحق لأنه قد قيل فيه: روح الله وكلمته والكلمة قول. ومن ذلك قوله تعالى: " ويجوز أن يكون بدلاً من اسم كان في قوله " ويجوز على قول الأخفش أن يكون مبتدأ وخبره فاعبده لأنه يجيز إدخال الفاء في خبر المبتدأ. وسيبويه لا يجيز ذلك في قوله: وقائلة خولان فانكح فتاتهم وأكرومة الحيين خلو كما هيا أي: هذه خولان. ولم يجز أن يكون فانكح مسندا إلى خولان لأنه لا يرى الفاء في خبر المبتدأ إلا يا رب موسى أظلمى وأظلمه فاصبب عليه ملكاً لا يرحمه من أن التقدير: يا رب اظلمنا فاصبب على أينا أظلم ومن ذلك قوله تعالى: " ومن ذلك قوله تعالى: " فالمبتدأ مضمر والمضاف محذوف لأنهم لم ينتهوا عن قول ثلاثة التي تنقص عن أربعة. ومثله: " وبما في الحديث من قوله عليه السلام: إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما ترون الكوكب الذي في أفق السماء. فالمعنى: إن كتاب الأبرار في هذا الموضع. وقال: " وهذا الموضع يشهده المقربون من الملائكة. وقال: " فالقول في كتاب مرقوم كالقول فيما تقدم ذكره. قال ابن بحر: ظاهر التلاوة قد فسر السجين فقال: وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم فأخبر أن السجين كتاب مرقوم. وكأن المعنى: إن الذي كتبه الله على الفجار أي أوجبه عليهم من الجزاء هو في هذا الكتاب المسمى سجينا. ويكون لفظ تسميته من السجن والشدة واشتمال الصخرة على معنيين: أحدهما: أن مصير أصحابه إلى ضيق وشدة وسفال. والآخر: أن يكون ما كتب عليهم لا يتبدل ولا ينمحى كالنقش في الحجر فإنه لا يزال باقيا كبقاء النقش في الحجر. وقال في قوله تعالى إن كتاب الأبرار لفي عليين: ظاهر التلاوة يدل على أن عليين اسم للكتاب وإن كان على بناء الجمع أي الذي أوجبه الله للأبرار لفي كتابه المسمى: عليين وهو كتاب مرقوم يشهده الملائكة المقربون. وذكر بعضهم أن عليين: الملائكة. فإن كان في حديث صحيح فإن وجهه أن يكون قوله كتاب فعلى هذا يكون قد حذف المضاف وتكون اللام داخلة على الفضلة كقولهم: إن زيداً لطعامك آكل. وكان هذا لا يصح لأن الاختيار إدخال اللام على الخبر دون الفضلة. وشئ آخر وهو أنهم قالو: إن كل ما جاء في التنزيل من قوله وما أدراك فإنه فسره كقوله: " وهذا نظير قولهم على هذا القول: إن زيداً فافهم ما أقول رجل صدق فيكون اعتراضاً بين اسم إن وخبره. وهناك شئ آخر وهو أنك إذا قلت: إن التقدير: إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين وجب أن تعلق الجار بمضمر يكون خبراً ثانياً على تقدير: كائن في عليين ثابت فيه. ولا تعلقه ب مرقوم لأنك قدمته على الموصوف ب مرقوم وما تعمل فيه الصفة لا يتقدم على الموصوف لأنه يوجب تقديم الصفة على الموصوف لأن العامل يقع حيث يقع المعمول ولا يجوز أن تعلقه بمحذوف يكون صفة ل كتاب لما ذكرناه من أن الصفة لا تتقدم على الموصوف. فإن جعلته خبر إن أعني في عليين وجعلت كتاباً مرقوماً خبراً أيضاً لم يجز لأنه لا فائدة فيه أكثر مما في الاسم وقد قالوا: إن الذاهبة جاريته صاحبها لا يجوز. فثبت أن القول قول أبي علي وهو ما قدمناه. ومن ذلك قوله تعالى: " ومنه قوله تعالى: " وكذا: " فأما قوله تعالى: " ولا يجوز أن يكون التقدير: الأمر ذلك لأنه يبقى الباء لا تعلق له بشئ. وأما قوله تعالى: " ومثله: " وأما قوله " وقوله " والغساق هو الحميم. كما يقول: زيد ظريف وكاتب فتجعل الكاتب صفة للظريف فتخبر عنه بهما. ولو كان الحميم غير الغساق لوجب تثنية المبتدأ. الذي هو هذا. وقال أبو إسحاق: حميم رفع من جهتين. إحداهما على معنى: هذا حميم وعساق فليذوقوه. ويجوز أن يكون هذا على معنى التفسير أي: هذا فليذوقوه. ويجوز أن يكون هذا في موضع نصب على هذا التفسير. ويجوز أن يكون في موضع رفع. فإذا كان موضع نصب فعلى: فليذوقوه هذا فليذوقوه. كما قال: " ومثله: هذا زيد فاضربه. ومن رفع فبالابتداء ويجعل الأمر في موضع خبر الابتداء مثل: " قال أبو علي: اعلم أنه لا يجوز أن يكون هذا في موضع رفع بالابتداء ويكون الأمر في موضع خبره لمكان الفاء ألا ترى أن الفاء قد دخل في الأمر فإذا كان كذلك لم يكن في موضع خبره ولو جاز هذا لجاز: زيد فمنطلق على أن يكون منطلق خبر الابتداء. فأما تشبيهه له بالسارق والسارقة فلا يشبه قوله هذا فليذوقوه قوله والسارق والسارقة لأن في السارق والسارقة معنى الجزاء في الصلة وهو مثل قوله " ثم قال: " وليس في هذا الاسم معنى الشرط والجزاء ويجوز دخول الفاء فيما وقع موقع خبره ألا ترى أن سيبويه حمل قول من قال: وقائلة خولان فانكح فتاتهم على أن خولان من جملة أخرى فقال: كأنه قال: هذه خولان أو: هؤلاء خولان فيكون عطف جملة على جملة ولا يكون مثل: زيد فمنطلق. وأما قوله تعالى: " فيرتفع أزواج بالظرف لكون الظرف وصفا ل آخر فيرفع ما بعده بالاتفاق. وجوز أن يكون وآخر فيمن أفرد مبتدأ والظروف مع ما ارتفع به خبر. والعائد إلى المبتدأ الهاء المضاف إليه في من شكله كما تقول: زيد ما في داره عمرو. ويجوز عندي أن يكون وآخر معطوفاً على غساق أي: وحميم وغساق. وآخر من شكل الغساق أزواج ويكون من شكله وصفاً. ومن قال: وآخر على الجميع فهو مبتدأ وأزواج خبره ومن شكله وصف أي من شكل الحميم. وأما قوله " وقال أبو علي: إن شئت جعلت قوله " فَذُوقُوهُ " اعتراضاً بين الابتداء والخبر فأضمرت الخبر وإن شئت أضمرت الخبر بعدها ولم تجعل " فَذُوقُوهُ " اعتراضاً كما جعلت في الوجه الأول وعطفته على الوجهين جميعاً على خبر الابتداء المعنى أن الأمر هذا وهذا. ومما يدل على الوجه الأول قوله تعالى " وإن شئت جعلت ذلكم ابتداء وجعلت الخبر ذوقوه. على أن تجعل الفاء زائدة فإن جعلته كذلك احتمل أن يكون رفعاً على قول من قال: زيداً اضربه ونصبا على قول من قال: زيداً اضربه. ومثله قوله تعالى: " وقوله: " وقوله: " التقدير في كلهن: الأمر كذلك فحذف المبتدأ. ومن ذلك قوله: " فيجوز أن يرتفع " عالُم " بفعل دل عليه ينفخ أي: ينفخ فيه عالم الغيب كقوله تعالى: " فزعم أن هذا الكلام يدل على أن له باكيا فصار كأنه قال: ليبك ضارع به. ومثله قراءة بعضهم: زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " على أن يكون زين مرتباً للمفعول وارتفع قتل به مضافاً إلى أولادهم ويكون شركاؤهم محمولا على فعل آخر لأن التقدير كأنه قال: زينه شركاؤهم. وهذه القراءة مروية عن السلمى والحسن ويحيى بن الحارث الذمارى عن أهل الشام. وقال سيبويه: في هذا القول. أبو علي: وأظنني مربى من كلام غلامه أنه حمل رفع شركائهم على المصدر أي: أن قتل أولادهم شركأوهم. ويحكى ذلك أيضاً عن قطرب. وهذا وإن كان محمولا على العامل الأقرب فإنما الإخبار في الآية عن تزيين الشركاء قتل أولاد المشركين. وقراءة السلمى إنما يكون الشركاء قاتلين أولادهم بتشبيبهم وتربيتهم. والكلام في هذا طويل. والله أعلم. ومن ذلك قوله تعالى: " تقديره. موعدكم في يوم الزينة وموعدكم في حشر الناس. فقوله: أن يحشر في موضع الرفع خبر مبتدأ محذوف دل عليه وقوله موعدكم الأول. ومن رفع كان التقدير: موعدكم موعد يوم الزينة فحذف المضاف يدل على ذلك قوله: وأن يحشر أي: موعد حشر الناس أو: وقت حشر الناس فحذف. وأما قوله تعالى: " والآخر: إبدالها من الضمير في الظرف. وزعم ابن عيسى أنه يجوز أن تكون ما كافة فيستأنف الكلام بعدها ويجوز في ما أن تكون موصولة بلهم كأنه قيل: اجعل لنا إلهاً كالذي لهم فيجوز الجر على هذا الوجه في آلهة كأنه قيل: اجعل لنا إلهاً كآلهة لهم. ويجوز على هذا الوجه النصب في آلهة على الحال ففيه ثلاثة أوجه: الرفع والنصب والجر ولا يجوز على الكافة إلا الرفع. ومن هذا الباب قوله تعالى: " وقوله تعالى: " لأملأن جهنم ومن نصبهما قال: فأقول الحق حقاً. ومن رفعهما جميعاً قال: فأنا الحق وقولي لأملأن جهنم الحق فيصير قولي في صلة الحق ويرتفع الحق باليمين وكأنه قال: والحق يميني ويكون الحق الأول خبر مبتدأ محذوف على التقدير الذي ذكرنا. ويجوز أن يكون المبتدأ والتقدير: فالحق مني. ويجوز أن يكون فيمن نصب الحق أن يكون حالا ل أملأن جواب قوله فالحق ويكون قوله والحق أقول اعتراضاً بين القسم وجوابه وجاز ذلك لأنه يوضح الأول ويكون التقدير: فبالحق لأملأن كما تقول: الله لأفعلن. وأما قوله تعالى: " فلا يجوز ارتفاع قوله وصد عن سبيل الله من أن يكون بالعطف على الخبر الذي هو كبير كأنه قال: قتال فيه كبير وصد وكفر أي: القتال قد جمع أنه كبير وأنه صد وكفر. أو يكون مرتفعاً بالابتداء وخبره مضمر محذوف لدلالة كبير المتقدم عليه كأنه قال: والصد كبير كقولك: زيد منطلق وعمرو. أو يكون مرتفعاً بالابتداء والخبر مظهر فيكون الصد ابتداء وما بعده من قوله وكفر به وإخراج أهله مرتفع بالعطف على المبتدأ والخبر قوله أكبر عند الله. فلا يجوز الوجهان الأولان وهما أما الوجه الأول فلأن المعنى يصير: قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به. والقتال وإن كان كبيراً فيمكن أن يكون صداً لأنه ينفر الناس عنه فلا يجوز أن يكون كفراً لأن أحداً من المسلمين لم يقل ذلك ولم يذهب إليه. فلا يجوز أن يكون خبر المبتدأ شيئاً لا يكون المبتدأ ويمنع من ذلك أيضاً بعد " ويمتنع الوجه الثاني أيضاً لأن التقدير فيه يكون: قتال فيه كبير وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به وكذلك مثله الفراء وقدره فإذا صار كذلك فكأن المعنى: وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله وإذا كان كذلك امتنع الأول وإذا امتنع هذان ثبت الوجه الثالث وهو أن يكون قوله وصد عن سبيل الله ابتداء وكفر به وإخراج أهله معطوفان عليه وأكبر خبر. فيكون المعنى: وصد عن سبيل الله أي: منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم ولاته والذين هم أحق به منهم وكفر بالله من قتال في الشهر الحرام. وأما قوله تعالى: " قريء: والأنصار بالرفع: على أن يجعل الأنصار ابتداء ولا تجعلهم من السابقين الذين هم المهاجرون. دليل هذه القراءة قوله " والذين في موضع جر لأنه معطوف على قوله " وعلى هذا ما روى عن خالد بن الوليد أنه قال لعمار: إن كنت أقدم منى سابقة فليس لك أن تنازعني. فالسابقون على هذا هم المهاجرون من دون الأنصار. ويقوى ذلك ما روى من قوله عليه السلام: لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. ووجه الجر في الأنصار أن يجعل الأنصار مع المهاجرين السابقين. والمعنى: أن كلا القبيلين سبقوا غيرهم ممن تأخر عن الإيمان إلى الإيمان. ويقوى هذه القراءة أن في بعض الحروف: من المهاجرين ومن الأنصار. حكاه أبو الحسن. وقوله تعالى: والذين اتبعوهم يجوز أن يكون مبتدأ ويكون الخبر رضى الله عنهم. ويجوز أن يكون: والذين اتبعوهم عطفاً على الصنفين المتقدمين. وإذا رفعت الأنصار بالابتداء يكون التقدير: هؤلاء في الجنة فأضحر الخبر. ويجوز أن يكون والسابقون الأولون أي: وفيما يتلى عليكم والسابقون الأولون أو: منهم. وأما قوله تعالى: " ويجوز أن يكون حالا من الضمير في بادون. ويجوز في يسألون أن يكون صفة للنكرة وأن يكون حالا مما في بادون حكاية لحال أو من باب: صائداً به غداً من قولك: مررت برجل معه صقر صائداً به غدا. وقوله " ومن ذلك قوله تعالى: " فأما ما ذهب إليه أبو إسحاق في قوله تعالى: " وإن رفعته بالابتداء وجعلت في الظرف ضميراً كان الحال عنه. ومن ذلك قوله تعالى: " قال أبو علي: يبين أن الخبر محذوف في نحو قوله: لاشئ في ريدها إلا نعامتها منها هزيم ومنها قائم باقي وكذلك: منها قسى وزائف. لا يكون إلا على إضمار منها لأن القسى غير الزائف. كما أن الهزيم غير القائم. فكذلك الحصيد غير القائم والتقدير: ومنها حصيد. ومن ذلك قوله في قول أبي إسحاق: إن هذان لساحران أي: إنهما ساحران فحذف المبتدأ. وإنما أضمره عنده وعند عالمه لأنه يرى أن إن بمعنى نعم وهذان مبتدأ. فلو حمل على الظاهر لدخل اللام على الخبر فأضمر المبتدأ. فقال أبو علي: ليس هذا بصحيح لان الإضمار ضد التأكيد واللام للتأكيد. فإنما تلا هذا على لغة من قال: إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها ومن ذلك قوله تعالى: " ومن ذلك قوله تعالى: " ومن ذلك قوله تعالى: " قال أبو علي: ينبغي أن يكون عيسى بدلاً من المسيح من المبدل الذي هو هو ولا يكون إلا كذلك. ألا ترى أن المسيح اسم وأن الاسم مبتدأ فيجب أن يكون خبره. إذا كان مفرداً. شيئاً هو هو في المعنى ولا يجوز أن يكون عيسى خبراً أيضاً من حيث كان الاسمان له لأنه لو كان كذلك لكان أسماه على المعنى أو أسماه على الكلمة. وإذا كان على ما ذكرنا لم يجز أن يكون ابن مريم وصفاً لعيسى في هذا الموضع وإن كان يجوز أن يكون وصفاً له في غير هذا الموضع وإنما كان كذلك لأن عيسى هنا عبارة عن غير شخص. ألا ترى أنه خبر عن الاسم والاسم لا يكون الشخص فوجب من هذا أن يكون ابن مريم في هذه الآية خبر مبتدأ محذوف. أو مبتدأ محذوف الخبر أي هو ابن مريم أو ابن مريم هذا المذكور. ومن ذلك قوله تعالى: " وأما قوله تعالى: " أو حال من الضمير في إذا عند سيبويه وعند الأخفش من فريق. أي: فبالحضرة فريق. وأما قوله تعالى: " ومثله: " أو يكون محمولاً على موضع أن أو على الضمير في مبعوثون. ومنه قوله تعالى: " ومن ذلك قوله: " وتقديره: لأنا أقسم. فاللام لام المبتدأ والمبتدأ محذوف. هذا هو الصحيح. واضطرب كلامه فقال مرة: اللام لام القسم وإن لم يدخل النون واحتج بأن النون ينفرد عن اللام واللام ينفرد عن النون كقوله. وقال مرة: إنها رد. ثم رجع عن هذا وتذكر قول الخليل في قوله: " والقمر فقوله طوافون خبر مبتدأ مضمر أي: أنتم طوافون. وقوله بعضكم بدل من الضمير في قوله طوافون أي: أنتم يطوف بعضكم بعض. هذا أيضاً من طرائف العربية لأن الضمير في قوله طوافون يعود إلى أنتم وأبدل منه قوله بعضكم. وقد مررت بك المسكين ممتنع. ولكن يكون من باب قوله: وما ألفيتني حلمي وأوعدني رجلي وزعم الفراء أن التقدير: هم طوافون وأنت لا تقول: هم يطوف بعضكم على بعض. ولو قلت: إن المبدل منه في تقدير الثبات. كحاجبيه معين فربما يمكن أن يقال ذلك. وحمل قوم قوله: بعضكم على بعض على الابتداء والخبر أي بعضكم من بعض وجعل على بمنزلة من. وقال قوم: يدخل بعضكم على بعض فأضمر يدخل لأن ذكر الطواف يدل عليه. وأما قوله تعالى: " ولكن هو معنى ما تكلمت به الرسل كما أن المؤذن إذا قال: لا إله إلا الله. قلت: حقاً وقلت: إخلاصاً أعملت القول في المصدرين لأنك ذكرت معنى ما قال ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى فلذلك نصب سلاماً في قوله: قالوا سلاماً لما كان معنى ما قيل ولم يكن نفس المقول بعينه. وقوله: قال سلام أي: أمرى سلام كقوله: " وأكثر ما يستعمل سلام بغير ألف ولام وذلك أنه في موضع الدعاء. فهو مثل قولهم: خبر بين يديك لما كان المعنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة. ومن ذلك قوله تعالى: " سلام عليكم وقال: " " وقد جاءت بالألف واللام قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: " قال سيبويه: وزعم أبو الخطاب أن قولك للرجل سلاماً وأنت تريد: تسلماً منك كما تقول: براءة منك تريد: ألا ألتبس بشئ من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلاناً فقل له سلاماً. فزعم أنه سأله وفسر له معنى براءة منك. وزعم أن هذه الآية " انتهت الحكاية عن سيبويه. وفي كتاب أبي علي هذا غلط وإيضاح هذا ووجهه أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين إنما كان شأنهم المناركة ولكنه على قوله براءة. ومما يقرب من هذا الباب قول عدي: أنت فانظر لأي ذاك تصير ذكر فيه وجوهاً منها حمله على حذف الخبر أي: أنت الهالك ولم يحمله على حذف المبتدأ على تقدير: هذا أنت لأنك لا تشير إلى المخاطب إلى نفسه ولا يحتاج إلى ذلك فإنما تشير إلى غيره. ألا ترى أنك لو أشرت إلى شخصه فقلت: هذا أنت لم يستقم. وقال في حد الإضمار: وزعم الخليل أن ها هنا التي مع ذا قلت: هذا وإنما أرادوا أن يقولوا: هذا أنت ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا وأرادوا أن يقولوا: أنا هذا وهذا أنا. فقدموها وصارت: أنت وأنا بينهما. وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوق بهم يقولون: أنا هذا وهذا أنا. وبمثلها قال الخليل هذا البيت: انا اقتسمنا المال نصفين بيننا فقلت لها هذا لها وهذا ليا كأنه أراد أن يقول: وهذا ليا فصير الواو بين ها وذا زعم أن مثل ذلك: أي: ها الله ذا إنما هو هذا. وقد يكون ها في ها أنت ذا غير مقدمة وإنما تكون بمنزلتها للتنبيه في هذا. يدلك على ذلك قوله تعالى: " حدثنا يونس تصديقاً لقول أبي الخطاب أن العرب تقول: هذا أنت تقول كذا وكذا ولم ترد بقولك: هذا أنت أن تعرفه نفسه كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره. هذا محال. ولكنه أراد أن ينبههه كأنه قال: الحاضر عندنا أنت والحاضر القائل كذا وكذا أنت وإن شئت لم تقدم ها في هذا الباب. قال الله تعالى: " وإن شئت جعلت الضمير المقدم هو الخبر والإشارة هي الاسم. وأما ها فيجوز أن يكون مع ذا وفصل بينهما بأنت المراد ب هذا أن يكون مع ذا والتقدير: أنا هذا ويجوز أن يكون التنبيه للضمير لأنهما مشتركان في الإبهام. فأما من قدرها مع ذا وإن فصل بينهما فإنه يحتج بقول زهير: تعلمن ها لعمر الله ذا قسماً فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك وفقلت لهم: هذا لها ها وذاليا والتقدير: هذا لها وذا لى فصير الواو بين ها وذا. ويحتج أيضاً بقولهم: لا ها الله ذا واسم الله ظاهر لا يدخل عليه هاء التنبيه كما لا يدخل على زيد ونحوه. وإنما معناه: لا والله هذا. وإن من يقدر أن ها داخلة على أنت غير منوى دخولها على ذا فإنه يحتج بقوله: ها أنتم هؤلاء فأتى ب ها فأدخلها على أنتم ثم أعادها في الأولاء. فلو كانت ها أولاء بمعنى الاولى منوياً بها التأخير لكانت ها الأولى والثانية جميعاً لأولاء. وهذا بعيد. وهذه حجة سيبويه. ومعنى قوله: وقد يكون ها في ها أنت ذا غير متقدمة أي موضعها ل أنت غير متقدمة من ذا إلى أنت. قال أبو سعيد: وإنما يقول القائل: ها أنا ذا إذا طلب رجل لم يدر أحاضر هو أم غائب فقال: المطلوب: ها أنا ذا. أي: الحاضر عندك أنا. وإنما يقع جواباً. لقول القائل: أين من يقوم بالأمر فيقول له الآخر. ها أنا ذا أو: ها أنت ذا. أي أنا في الموضع الذي التمست فيه من التمست أو أنت في ذلك الموضع. وأكثر ما يأتي في كلام العرب هذا بتقديم ها والفصل بينها و بين ذا بالضمير المنفصل. والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب من قوله: هذا أنا و أنا هذا. هو في معنى: أنا ذا. ولو ابتدأ إنسان على غير الوجه الذي ذكرناه فقال: هذا أنت وهذا أنا يريد أن يعرفه نفسه كان محالاً لأنه إذا أشار له إلى نفسه بالإخبار عنه ب أنا و بأنت لا فائدة فيه لأنك إنما تريد أن تعلمه أنه ليس خبره. ولو قلت: ما زيد غير زيد وليس زيد غير زيد كان لغواً لا فائدة فيه. أو قلت: هذا أنت والإشارة إلى غير المخاطب كان معناه: هذا مثلك كما تقول: زيد عمرو على معنى: زيد مثل عمرو. والذي حكاه يونس عن العرب هذا أنت تقول: أنت تفعل كذا وكذا. هو مثل قوله " والعامل فيه معنى التنبيه. وعند الكوفيين أن المنصوب في هذا بمنزلة الخبر لأن المعنى عندهم: زيد فاعل كذا. ثم أدخلوا هذا للوقت الحاضر كما يدخلون كان لما مضى. فإذا ادخلوا هذا وهو اسم ارتفع به زيد وارتفع هذان به على ما لو اختير حكم المبتدأ والخبر والذي بعده. فارتفاع زيد بهذا. ويسمى أهل الكوفة هذا: التقريب. ومنزلة ها عند منزلة كان لأن كان دخلت على: زيد قائم به فانتصب به. ولا يجوز إسقاط المنصوب لأن الفائدة به معقودة والقصد إليه. ويجوز عند الكوفيين: هذا زيد القائم كما يجوز كان زيد القائم. ولا يجوز عند البصريين: هذا زيد القائم لأن مجراه عندهم مجرى الحال بخلاف خبر كان إذ ليس هو بحال. وأما قوله تعالى: " وتقتلون أنفسكم في موضع الحال تقديره: قاتلين أنفسكم. وعلى مذهب الكوفيين تقتلون خبر التقريب على ما ذكرناه من مذهبهم. وقال ثعلب: هؤلاء في معنى الذين وتقتلون في صلتها. كأنه قال: ثم أنتم تقتلون أنفسكم كما قال ابن مفرع: وكان ينبغي على ما قدره ثعلب أن يقرأ: " ويجوز عند البصريين: ثم أنتم الذين أنفسكم في الضرورة وليس بالمختار. وأنشدوا فيه لمهلهل: وإن الذي قتلت بكر بالقنا ويركب منها غير ذات سنام والوجه: وإن الذي قتل. والآخر: يا أيها الذكر الذي قد سؤتنى وفضحتني وطردت أم عياليا والوجه: يا أيها الذي قد ساءني. والآخر: يا مرو يابن واقع ياأنتا أنت الذي طلقت عام جعتا حتى إذا اصطبحت واغتبقتا أقبلت مرتاداً لما تركتا والوجه: الذي طلق عام جاع لأن الضمير في طلق يعود إلى الذي وهو غائب فوجب أن يكون ضمير غائب. ومثله: " فإن قال قائل: إذا زعمتم أن قوله: " قيل له: إذا كان المقصد الإخبار فما أوجب حكم اللفظ فيه أن يكون حالاً وجب أن يجري لفظه على الحال وتصير الحال لازمة عما أوجبه المعنى كما أن الصفة في بعض المواضع لازمة كقولك بمن صالح ويا أيها الرجل: فصالح والرجل لازمتان لا يجوز إسقاطهما من الكلام وإن أصل الصفة أن تكون مستغنى عنها. وأيضاً فإنا رأينا الحال مع المصادر لا يستغنى عنها في مثل قولك: شربك السويق ملتوتاً ونحوه. وأما قوله: هذا لها وذاليا. بمعنى: وهذا ليا فإنما جاز تقديم ها على الواو لأن ها تنبيه والتنبيه قد يدخل على الواو إذا عطفت بها جملة على جملة كقولك: ألا إن زيداً خارج ألا إن عمراً مقيم ونحو هذا فاعرفه. وأما القول في الهاء التي في ها أنتم هؤلاء فقد روى بالمد والقصر. فوجه ها أنتم أنه قد أبدل من الهمزة الهاء أراد أنتم فأبدل من الهمزة الهاء. ولا يمتنع أن تبدل من الهمزة الهاء كما لم يمتنع إبدال الواو والتاء والباء في القسم وإن كان على حرف واحد ولا يحمل على حرف الألف من ها هنا في هلم فإنه جاز لأن اللام في تقدير السكون لأن الحركة نقلت إليها من غيرها فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. وهذا الاستفهام بمعنى التقرير. وأما ها أنتم فإنها للتنبيه ولحقت الجملة كما لحقت يا في ذا البيت: يا قاتل الله صبياناً تجئ بهم أم الضبيغس من زند لها وارى ويجوز أن تكون في ها أنتم بدلاً من همزة الاستفهام كما كان بدلاً منها في قول من قال ها أنتم وتكون الألف التي تدخل بين الهمزة لتفصل بينهما لأن الهاء بمنزلة الهمزة في حمراء في حكم الألف بدلالة ترك الصرف. ومما أضمر فيه المبتدأ قولهم من مسائل الكتاب: لا سواء والتقدير هذان لا سواء فحذفوا المبتدأ وصارت لا كافة عوضاً منها وسواء خبر المبتدأ وكما صارت لا هنا عوضاً عن المبتدأ صارت كذلك عوضاً عنه في قولك " أزيد عندك أم لا قال: التقدير أم هو لا فلم يظهر لأن لا قد صار عوضاً عنه كما صار عوضاً في سية قوله: لا سواء. والمعنى: لا هما سواء ولا هذان سواء. فلم يكرر لا لم يستقبح ذلك كما استقبحوا لا زيد عندك حتى يقال: ولا عمرو لأنه كما أنه لو أظهر المبتدأ لم يلزم تكرير لا كذلك لم يلزم تكريره فيما هو بدل منه. وأما خبر المبتدأ المضمر فاستغنى عن إظهاره كما استغنى عن إظهار الخبر نحو زيد عندك وعمرو. وحسن هذا الكلام أن لا قد حذفت بعدها الجمل في نحو قول ذى الرمة: خليلى هل من حيلة تعلمانها تقديره: هل من حيلة تعلمانها أو لا حيلة لكم واعلم أن أم لا تخلو من أن تكون الكائنة مع الهمزة بمنزلة أى أو المنقطعة فلو كانت التي بمعنى أى مع الألف لوجب أن يكون بعدها اسم أو فعل كقولك: أزيد قام أم عمرو. و: أقام زيد أم عمرو قعد. ولو كانت المنقطعة لوجب أن يكون بعدها جملة كقولك: عندك زيد أم عمرو. فلم يجئ واحد من الضربين.
|